الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***
أنشد فيها: الوافر ألا رجلاً جزاه الله خيراً على أنّ ألا قد تجيء عند إلخ ليل حرف تحضيض. قال سيبويه: وسألت إلخ ليل رحمه الله عن قوله: ألا رجلاً جزاه الله خير *** يدلّ على محصّلةٍ تبيت فزعم أنه ليس على التمنّي، ولكنه بمنزلة قول الرجل: فهلاّ خيراً من ذلك، كأنه قال: ألا ترونني رجلاً جزاه الله خيراً. وأما يونس فزعم أنه نوّن مضطرّاً. انتهى. قال الأعلم: الشاهد فيه نصب رجل وتنوينه، لأنه حمل على إضمار فعل، وجعل ألا حرف تحضيض، والتقدير: ألا ترونني رجلاً. ولو جعلها ألا التي للتمنّي لنصب ما بعدها بغير تنوين. هذا تقدير إلخ ليل وسيبويه. ويونس يرى أنه منصوب بالتمني. ونوّن ضرورة. والأول أولى لأنه لا ضرورة فيه. وحروف التحضيض مما يحسن إضمار الفعل بعدها. والمحصّلة: الامرأة التي تحصّل الذهب من تراب المعدن، وتخلّصه منه طلبها للمبيت. وفي البيت تضمين، لأنّ خبر تبيت في بيت بعده: وهو: ترجّل لمّتي وتقمّ بيتي *** وأعطيها الإتاوة إن رضيت وتقدم شرحه في الشاهد الثالث والستين بعد المائة. وأنشد بعده: البسيط تعلّمن ها لعمر الله ذا قسم *** فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك على أنه يفصل كثيراً بين ها التنبيه، وبين اسم الإشارة بجملة القسم. وهذا خلاف ما تقدّم منه في باب اسم الإشارة، قال هناك: ويفصل ها التنبيه عن اسم الإشارة بأنا وأخواته كثيراً، نحو: هأنذا، وبغيرها قليل، وذلك إمّا قسم، كقوله: تعلّمن ها لعمر الله ذا قسم وغير قسم، كقوله: البسيط ها إنّ تا عذرةٌ ونحو: الطويل فقلت لهم: هذا لها ه وذا ليا انتهى. وتقدّم هناك في الشاهد الثاني عشر بعد الأربعمائة نقل كلام سيبويه عند هذا البيت، وليس فيه ما يدل على كثرة وقلة. قال الأعلم: الشاهد فيه تقديم ها التي للتنبيه على ذا، وقد حال بينهما بقوله: لعمر الله، والمعنى: لعمر الله هذا ما أقسم به. ونصب قسماً على المصدر المؤكّد لما قبله، لأنه معناه أقسم، فكأنه قال: أقسم لعمر الله قسماُ. فذا عند إلخ ليل هو المحلوف عليه، فكأنه قال: والله الأمر هذا، فحذف الأمر وقدّم ها. وعند غيره المعنى: هذا ما أقسم به. وتعلّم بمعنى اعلم، لا يستعمل إلاّ في الأمر. وقوله: فاقدر بذرعك، أي: قدّر لخطوك. والذّرع: قدر إلخ طو. وهذا مثل، والمعنى: لا تكلّف ما لا تطيق منّي. يتوعّده بذلك، وكذلك قوله: وانظر أين تنسلك. والانسلاك: الدّخول في الأمر. والمعنى: لا تدخل نفسك فيما لا يعنيك، ولا يجدي عليك. وأنشد بعده: ها إنّ تا عذرةٌ على أنّ الفصل بين ها وبين تا بإنّ، وهي غير قسم، وغير ضمير مرفوع منفصل، قليل. وهو قطعة من بيت، وهو: ها إنّ تا عذرةٌ إن لم تكن نفعت *** فإنّ صاحبها قد تاه في البلد وتا: اسم إشارة بمعنى هذه، لما ذكره قبله في القصيدة، من يمينه على أنه لم يأت بشيء يكرهه. وتا: مبتدأ، وعذرة: خبرها. وهي بكسر العين اسم للعذر بضمها. وقوله: إن لم تكن إلخ ، صاحبها، أي: صاحب العذرة، ويعني به نفسه. يريد: إن لم تقبل عذري، وترض عنّي، فإنّ أختلّ حتى إنّي أضلّ في البلدة التي أنا فيها، لعظم إلخ وف الذي حصل من وعيدك. وتقدّم الكلام عليه في الشاهد الثالث عشر بعد الأربعمائة. وأنشد بعده: فقلت لهم هذا لها ها وذا ليا لما تقدّم قبله. وهذا عجز، وصدره: ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا وتقدم شرحه في الشاهد الرابع عشر بعد الأربعمائة. وأنشد بعده: يا ربّتما غارةٍ هو قطعة من بيت، وهو: السريع ماويّ يا ربّتما غارةٍ *** شعواء كاللّذعة بالميسم على أن يا فيه عند ابن مالك للتنبيه، لدخولها على ما يفيد التقليل، وهو رب. وفيه نظر، لأن رب في البيت للتكثير لا للتقليل، لأنه في مقام الافتخار والتمدح، كما يأتي بيانه. وما نقل عن ابن مالك هنا قاله في باب تميم الكلام على كلمات مفتقرةٍ إلى ذلك، من التنسهيل، قال: وأكثر ما يلي يا نداء، وأمر، وتمن، وتقليل. قال شارحه المردي: يعني بالنداء المنادي، وأطلق المصنف على التي للنداء أنها حرف تنبيه، لأنها تنبيهٌ للمخاطب. وقد أشار إليه سيبويه، وكلامه هنا يدل على أنها ذا وليها فعل أمر لا تكون للنداء، بل لمجرد التنبيه. وهو خلاف ما قدمه في باب النداء. وقد تدخل على الدعاء، كقوله: البسيط يا لعنة الله والأقوام كلهم *** والصالحين على سمعنا من جار وعلى حبذا، كقوله: البسيط يا حبذا جبل الراين من جبلٍ انتهى. وكلامه في باب النداء أجود، قال فيه: وقد يحذف المنادى قبل الأمر والدعاء فتلزم يا. وإن وليها ليت ورب وحبذا فهي للتنبيه لا للنداء. انتهى. فيا إنما تكون عنده حرف تنبيه، إذا وليها أحد الثلاثة إلخ يرة. وقد شرح كلامه هذا في التوضيح شرحاً شافياً، قال عند قول ورقة بن نوفل: يا ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك: يظن أكثر الناس أن يا التي تليها ليت حرف نداء، والمنادى محذوف، فتقدير قول ورقة: يا محمد ليتني كنت حياً، وتقدير قوله تعالى: يا ليتني كنت معهم: يا قوم ليتني. وهذا الرأي عندي ضعيف، لأن قائل ياليتني د يكون وحده، فلا يكون معهة منادى لا ثابت ولا محذوف، كقول مريم عليها السلام: يا ليتني مت قبل هذا . ولأن الشيء إنما يجوز حذفه مع صحة المعنى بدونه إذا كان الموضع الذي ادعي فيه حذفه مستعملاً فيه ثبوته، كحذف المنادى قبل أمر ودعاء، فإنه يجوز حذفه لكثرة ثبوته، فإن الآمر والداعي يحتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعو، بتقديمه على الأمر والدعاء. واستعمل ذلك كثيراً حتى صار موضعه منبهاً عليه إذا حذف. فحسن حذفه لذلك. فمن ثبوته قبل الأمر: يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة ويا بني إسرائيل اذكروا نعمتي ويا بني آدم خذوا زينتكم ، ويا إبراهيم أعرض عن هذا ، ويا يحيى خذ الكتاب ، ويا بني أقم الصلاة ، ويا أيها النبي اتق الله . ومن ثبوته قبل الدعاء: يا موسى ادع لنا ربك ، ويا أبانا استغفر لنا ، ويا مالك ليقض علينا ربك . ومن حذف المنادى المأمور في قراءة الكسائي: ألا يا اسجدوا ، أراد: ألا يا هؤلاء اسجدوا. فحسن حذف المنادى قبل الأمر والدعاء اعتياد ثبوته في محل ادعاء الحذف. بخلاف ليت فإن المنادى لم تستعمله العرب قبلها ثابتاً. فادعاء حذفه باطل، لخلوه من دليل، فيتعين كون لا التي تقع قبلها لمجرد التنبيه، مثل ألا وها، ومثل يا الواقعة قبل ليت في تجردها للتنبيه الواقعة قبل حبذا، في قول الشاعر: يا حبذا جبل الريان من جبلٍ *** وحبذا ساكن الريان من كانا وقبل رب في قول الراجز: الرجز يا رب سارٍ بات ما توسد *** إلا ذارع العيس وكف اليدا انتهى كلامه باختصار. وقوله: ماوي يا ربتما غارة منادى مرخم ماوية، اسم امرأة. وما في ربتما زائدة، وغارة: مجروة بربت. والشعراء بالعين المهملة: الغارة المنتشرة. واللذعة بالذال المعجمة والعين المهملة: مصدر لذعته النار، أي: أحرقته. والميسم: ما يوسم به البعير بالنار. وجواب رب في البيت الذي بعده: وهو: السريع ناهبتها الغنم على طيعٍ *** أجرد كالقدح من الساسم أي: نهبت بالغارة الغنيمة على فرس طيع منقاد لراكبه. والقدح، بالكسر: السهم بل أن يراش. والساسم: خشب الآبنوس. وهذا كما ترى افتخار لا يليق به القلة. وتقدم الكلام عليه في الشاهد الستين بعد السبعمائة. أنشد فيها، الوافر أليس الليل يجمع أم عمروٍ *** وإيانا فذاك بنا تداني نعم وترى الهلال كما أراه *** ويعلوها النهار كما علاني على أن نعم نا لتصديق إلخ بر المثبت المؤول به الاستفهام مع النفي، فكأنه قيل: إن الليل يجمع أم عمرو وإيانا نعم، فإن الهمزة إذا دخلت على النافي تكون لمحض التقدير، أي: حمل المخاطب على أن يقر بأمرٍ يعرفه، وهي في الحقيقة للإنكار. وإنكار النفي إثبات. ومراد الشارح المحقق بهذا التوجيه والشاهد، الرد على ابن الطرواة، في زعمه أن مجيء نعم بعد الاستفهام الداخل على النافي لحن، والواجب مجيء بلى، فإنه قد لحن سيبويه بمثله في باب ما يجري عليه صفة ما كان من سببه، قال فيه: وإن زعم زاعم أنه يقول: مررت برجل مخالط بدنه داء، ففرق بينه، وبين المنون. قيل له: ألست قد علمت أن الصفة إذا كانت للأول فالتنوين وغير التنوين سواء، إذا أردت بإسقاط التنوين معنى التنوين، نحو قولك: مررت برجل ملازم أباك، ومررت برجل ملازم أبيك وملازمك، فإنه لا يجد بدّاً من أن يقول: نعم، وإلاّ خالف جميع العرب والنحويين. فإذا قال ذلك قلت: أفلست تجعل هذا العمل إذا كان منوناً، وكان لشيء من سبب الأول، والتبس به بمنزلته إذا كان للأول، فإنه قائل: نعم. انتهى كلامه. قال أبو حيان في تذكرته بعد أن نقل كلام سيبويه: قد لحّن ابن الطّراوة سيبويه في استعماله نعم في هذين الموضعين، وقال: إنّما هو موضع بلى لا موضع نعم. وهو كما قال في أكثر ما يوجد من كلام النحاة، وهو لا شكّ أكثر في الاستعمال، وعلى ذلك جاء ما يروون عن ابن عبّاس، من قوله في قول الله تعالى: {ألست بربّكم} إنهم لو قالوا: نعم، لكفروا. ولكن قد يوجد مع ذلك خلافه. قال الشاعر: أليس اللّيل يجمع أمّ عمرٍو البيتين ويفتقر كلام ابن عباس مع وجود قول هذا القائل إلى فضل نظر، وهو أن يقول: نعم في قول الشاعر ليس بجواب، لأن الجواب بنعم إذا جاء بعد الاستفهام إنما يكون تصديقاً لما بعد ألف الاستفهام. ولم يرد الشاعر أن يصدّق أنه لا يجمعه الليل مع أمّ عمرو، فلذلك يكون بنو آدمٍ إذا قالوا في جواب: ألست بربّكم: نعم، كفّاراً، لأن الجواب بنعم يكون تصديقاً لما بعد ألف الاستفهام من النفي، وهو الأكثر في الاستعمال، ولكنه لا يمتنع مع ذلك أن يقولوا: نعم، لا على الجواب، ولكن على التصديق، لأن الاستفهام في ألست بربّكم تقرير، والتقرير خبر موجب. فإذا كان التقرير خبراً معناه الإيجاب، جاز أن يأتي نعم، كما يأتي بعد إلخ بر الموجب للتصديق. وإذا كان الأمر كذلك لم يكن في إجازة نعم في الآية، وفي الشعر مخالفة لابن عباس فيما قاله، لأنهما لم يتواردا على معنًى واحد، فإن الذي منعه، إنما منعه على أنّ نعم جواب، وإذا كان جواباً إنما يكون تصديقاً لما بعد ألف الاستفهام، والذي أجازه إنما أجازه على أن تكون نعم غير جواب. وإتمام نعم فيه على وجه التصديق، كما في قولك: نعم، لمن قال: قام زيد. انتهى كلامه. واختصره المرادي في الجنى الداني. فقد اتفق الشارح المحقق وأبو حيان في هذا التوجيه. وقد جاء في الحديث مثل ذلك الشعر، وهو قول الأنصار للنبي صلّى الله عليه وسلّم وقد قال لهم: ألستم ترون لهم ذلك؟ قالوا: نعم. وهذا التوجيه نسبه ابن هشام في بحث نعم من المغني إلى جماعة من المتقدمين والمتأخرين، منهم الشلوبين: إذا كان قبل النفي استفهام، فإن كان على حقيقته فجوابه كجواب النفي المجرد، وإن كان مراداً به التقرير، فالأكثر أن يجاب بما يجاب به النفي، رعياً للفظه. ويجوز عند أمن اللبس أن يجاب بما يجاب به الإيجاب، رعياً لمعناه، ألا ترى أنه لا يجوز بعده دخول أحدٍ، ولا الاستثناء المفرغ؛ لا يقال: أليس أحد في الدار، ولا أليس في الدار إلا زيد. وعلى ذلك جاء قول الأنصار، وقول الشاعر: نعم، بعد النفي المقرون بهمزة الاستفهام. قال ابن هشام: وعلى هذا جرى كلام سيبويه، والمخطئ مخطئ. وقال في بحث بلي: أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى، ولذلك قال ابن عباس وغيره: لو قالوا نعم لكفروا. ووجهه أن نعم تصديق للمخبر بنفي وإيجاب. ولذلك قال جماعة من الفقهاء: لو قال: أليس لي عندك ألف. فقال: بلى، لزمته. ولو قال: نعم. لم تلزمه. وقال آخرون: تلزمه فيهما. وجروا في ذلك على مقتضى العرف لا اللغة. ونازع السهيلي وغيره في المحكي عن ابن عباس وغيره في الآية، مستمسكين بأن الاستفهام التقريري خبر موجب. ولذلك امتنع سيبويه من جعل أم متصلة في قوله تعالى: {أفلا تبصرون أم أنا خير}، لأنها لا تقع بعد الإيجاب. وأذا ثبت أنه إيجاب فنعم بعد الإيجاب تصديق له. انتهى. ويشكل عليهم أن بلى لا يجاب بها الإيجاب، وذلك متفق عليه. قال الدماديني: لا إشكال، فإن هؤلاء راعوا صورة النفي المنطوق به، فيجاب ببلى حيث يراد إبطال النفي الواقع بعد الهمزة، وجوزوا الجواب بنعم على أنه تصديق لمضمون الكلام جميعه: الهمزة ومدخولها، وهو إيجاب. ودعواه الاتفاق منازع فيها. أما إن أراد الإيجاب المجرد من النفي أصلاً ورأساً، فقد حكى فيه الرضي إلخ لاف. وأما إن أراد ما هو أعم حتى يشمل التقرير المصاحب للنفي، فالخلاف موجود مشهور، وذكره المصنف عن الشلوبين وغيره في نعم وهنا أيضاً، بقوله: إنهم أجروا النفي مع التقرير مجرى النفي المجرد في رده ببلى. انتهى. هذا، وقد قال أبو حيان في الارتشاف: وأما قول جحدر: أليس الليل يجمع أم عمرو البيتين فليس نصاً في أن التقرير يجاب بنعم. انتهى. فلا يدفع التناقض بين كلام ابن عباس، وكلام غيره بما ذكره الشارح المحقق، فلا بد من دليل سمعي يبين جواز ذلك. قال أبو حيان: ولم يذكر سوى بيتي جحدر، وقد ذكر له عدة تأويلات، فلا يقوم بمثله حجة على إثبات ما ثبت في اللسان العربي خلافه. انتهى. وقد أول بثلاثة تأويلات: أحدها: لابن عصفور، وهو أن تكون نعم فيه جواباً لغير مذكور، قال أجرت لعرب التقرير في الجواب مجرى النفي المحض، وإن كان إيجاباً في المعنى، فإذا قيل: ألم أعطك درهماً، قيل في تصديقه: نعم، وفي تكذيبه: بلى، وذلك لأن المقرر قد يوافقك فيما تدعيه، وقد يخالفك، فإذا قال: نعم لم تعلم هل أراد نعم لم تعطني على اللفظ، ونعم أعطيتني على المعنى، فلذلك أجابوه على اللفظ ولم يلتفتوا إلى المعنى. وأما نعم في بيت جحدر فجواب لغير مذكور، وهو ما قدره في اعتقاده أن الليل يجمعه وأم عمرو. وجاز ذلك لأمن اللبس، لعلمه أن كل أحدٍ يعلم أن الليل يجمعه وأم عمرو. وأما قول الأنصار فجاز لزوال اللبس، لأنه قد علم أنهم يريدون نعم نعرف لهم ذلك. وعلى هذا يحمل استعمال سيبويه لها بعد التقرير. انتهى. ثانيها: لابن عصفور أيضاً: أنه جواب لما بعده: كقولهم: نعم هذه أطلالهم. قال: ويجوز أن تكون جواباً لقوله وترى الهلال البيت. وفيه نظر، لأن قوله: وترى الهلال عطف على ما قبله، فهو داخل تحت التقرير. ثالثهما: لأبي حيان، وتبعه ابن هشام، قال: الأحسن أن تكون جواباُ لقوله: فذاك بنا تداني، فتكون الجملة معترضة بين المتعاطفين، وليست داخلة تحت التقرير، وتقدمت على نعم لفظاً ومعنى. ورأيت في ترجمة جميل بن معمر العذري من كتاب الشعراء لابن قتيبة رواية البيت الثاني كذا: أرى وضح الهلال كما تراه وقد رواه السكري في كتاب اللصوص، في نسخة قديمة صحيحة: بلى وترى الهلال كما أراه وعليهما لا شاهد فيه. قال ابن هشام: ويتحرر على هذا أنه لو أجيب ألست بربكم بنعم، لم يكف في الإقرار، لأن الله سبحانه وتعالى أوجب في الإقرار بما يتعلق بالربوبية العبارة التي لا تحتمل غير المعنى المراد من المقر، ولهذا لا يدخل في الإسلام بقوله: لا إله إلا الله برفع إله، لاحتماله لنفي الوحدة فقط. ولعل ابن عباس رضي الله عنهما إنما قال: إنهم لو قالوا نعم لم يكن إقراراً كافياً. وجوز الشلوبين أن يكون مراده أنهم لو قالوا نعم، جواباً للملفوظ به على ما هو الأفصح لكان كفراً، إذا الأصل تطابق الجواب والسؤال لفظاً. وفيه نظر، لأن التفكير لا يكون بالاحتمال. وقوله: ولعل ابن عباس، يريد أن النقل المشهور عنه نقل بالمعنى، قال الدماميني: وهذا لا وجه له؛ فإنه معارضة للنقل الثابت المشهور بمجرد احتمال عدمه من غير ثبت. انتهى. وقد أورد الدماميني حكاية عن الوجه الأول من التأويلات لا بأس بإيرادها، قال: أخبرت بمكة سنة ثماني عشرة وثمانمائة، أن مولانا قاضي القضاة أبا الفضل النويري الشافعي، الناظر في الحكم للعزيز بمكة المشرفة، سأل الشيخ جمال الدين ابن هشام مصنف هذا الكتاب، عما جرى به العرف في هذه الأزمنة، من أن الإنسان إذا طرق باب صاحبه، يقول: نعم نعم، يريد الإعلام بحضوره، وهل لهذا أصل في لسان العرب؟ فقال: نعم، وقد ذكرت ذلك في كتابي مغني اللبيب. فقال لي ذلك المخبر: لم أظفر بذلك في المغني، وسألت عنه جماعة فلم يحصل جواب. قلت له: هو في موضعين: أحدهما: قوله قبل هذا: إن نعم تقع جواباً لسؤال مقدر. والثاني: قول ابن عصفور إن نعم في بيت جحدر جواب لغير مذكور. وكذلك قول هذا الطارق: نعم نعم، جواب لما قدره في اعتقاده من أن صاحب المنزل لشدة احتفاله والتفاته إليه يسأل: هل حضر فلان؟ وقاضي مكة المشار إليه هذا هو أحد مشايخي، أخبرني بمغني اللبيب عن مصنفه، وأجازني إجازة عامة، وكتب لي خطة بذلك. انتهى. وقول الشاعر: وذاك بنا تداني ذاك إشارة إلى جمع الليل إياهما. والتداني: التقارب. والبيتان أبرد ما قيل في باب القناعة من لقاء الأحباب. وقال ابن قتيبة: وجميل ممن رضي بالقليل، فقال: الطويل أقلب طرفي في السماء لعله *** يوافق طرفي طرفها حين تنظر ومنهما أخذت قولها عليه بنت المهدي العباسي، أورده الصولي في ترجمتها من كتاب الأوراق: الطويل أليست سليمى تحت سقفٍ يكنه *** وإياي هذا في الهوى لي نافع ويلبسها الليل البهيم إذا دج *** وتبصر ضوء الصبح والفجر ساطع تدوس بساطاً قد أراه وأنثني *** أطاه برجلي كل ذا لي شافع والبيتان من قصيدة لجحدر بن مالك الحنفي، قالها وهو في سجن الحجاج وأرسلها إلى اليمامة. وقد تقدم سبب حبسه مع ترجمته في الشاهد الحادي والستين بعد إلخ مسمائة، وهي هذه من رواية السكري في كتاب اللصوص: تأوبني فبت لها كبيع *** همومٌ لا تفارقني حواني هي العواد لا عواد قومي *** أطلن عيادتي في ذا المكان إذا ما قلت قد أجلين عني *** ثني ريعانهن علي ثاني وكان مقر منزلهن قلبي *** فقد أنفهنه فالقلب آني أليس الله يعلم أن قلبي *** يحبك أيها البرق اليماني وأهوى أن أعيد إليك طرفي *** على عدواء من شغلٍ وشان نظرت وناقتاي على تعادٍ *** مطاوعتا الأزمة ترحلان إلى ناريهما وهما قريبٌ *** تشوقان المحب وتوقدان وهيجني بلحنٍ أعجميً *** على غصنين من غربٍ وبان فكان البان أن بانت سليمى *** وفي الغرب اغترابٌ غير داني أليس الليل يجمع أم عمرو *** وإيانا فذاك بنا تداني بلى وترى الهلال كما أراه *** ويعلوها النهار كما علاني فما بين التفرق غير سبعٍ *** بقين من المحرم وثمان فيا أخوي من جشم بن سعدٍ *** أقلا اللوم إن لم تنفعاني إذا جاوزتما سعفات حجرٍ *** وأودية اليمامة فانعياني إلى قومٍ إذا سمعوا بنعيٍ *** بكى شبانهم وبكى الغواني وقولا جحدرٌ أمسى رهين *** يحاذر وقع مصقولٍ يماني يحاذر صولة الحجاج ظلم *** وما الحجاج ظلاماً لجاني ألم ترني غذيت أخا حروبٍ *** إذا لم أجن كنت مجن جاني فإن أهلك فرب فتى سيبكي *** علي مخضبٍ رخص البنان ولم أك قد قضيت ديون نفسي *** ولا حق المهند والسنان قوله: تأوبني فبت لها كبيعا، أي: أتاني ليلاً هموم، من الأوب، وهو الرجوع. والكبيع، بفتح الكاف وكسر الموحدة، قال السكري: كبيع وكابع بمعنى، أي: مشدود. وقال السيوطي في شرح أبيات المغني: وكنيعاً من كنع الرجل، إذا خضع ولان. انتهى. وكأن نسخته التي نقل منها كانت بالنون. وحواني: جمع حانية، من حنى عليه حنواً، أي: تعطف، بدليل ما بعده: وهو قوله: هي العواد. وزعم السيوطي أنه كمن الحين بالفتح، وهو الهلاك. قال السكري: وريعانهن: أوائلهن. وأنفهنه، قال صاحب الصحاح: نفهت نفسه بالكسر: أعيت وكلت، وقد أنفه فلان إبله ونفهها، إذا أكلها وأعياها. انتهى. وهو بالنون والفاء والهاء. قال السكري: الآني: المنتهي في الغليان. وعدوا الشغل، بضم العين وفتح الدال المهملتين والواو والمد، أي: موانعه. وقوله: فإن أهلك فرب فتى سيبكي إلخ ، أورده ابن هشام في المغني على أنه يجوز أن يكون الفعل بعد ربٌ مستقبلاً كما في البيت. وروى بدل: مخضب: مهذب، وهو المطهر إلخ لاق. والرخص: الناعم. والبنان: أطراف الأصابع. وأنشد بعده: الطويل وقد بعدت بالوصل بيني وبينه *** بلى إن من زار القبور ليبعدا على أن بعضهم زعم أن بلى تستعمل بعد الإيجاب كما في البيت. وهو شاذ، وكان القياس نعم. وإنما قال شاذ، ولم يقل ضرورة، لأنه جاء مثله في الحديث الصحيح: أخرج البخاري في كتاب الأيمان والنذور من صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مضيف إلى قبة من أدم يمان إذ قال لأصحابه: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى. قال: أفلم ترضوا أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قالوا: بلى. قال: فوالذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة . وقوله: مضيف، أي: مسند ظهره الشريف. وبلى الأولى أجيب بها الاستفهام المجرد عن النفي، وهو موضع نعم، كما ورد فيه عنه. فإن البخاري قد أخرجه عنه في الرقاق أيضاً، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة، فقال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم. قال: والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة. وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وكالشعر السوداء في جلد الثور الأبيض . وكذا جاء في صحيح مسلم أخرج مسلم في كتاب الهبة، عن النعمان ابن بشير، قال: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله اشهد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي. فقال: أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان؟ قال: لا. قال: فأشهد على هذا غيري. ثم قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذن . وفي صحيح مسلم أيضاً: أأنت الذي لقيتني بمكة؟ فقال له المجيب: بلى. ففي الموضعين أيضاً وقعت بلى في جواب الاستفهام المجرد، وهو موضع نعم. ومثله في الشعر قول الكميت بن ثعلبة: الوافر نشدتك يا فزار وأنت شيخٌ *** إذا خيرت تخطئ في إلخ يار أصيحانيةٌ أدمت بسمنٍ *** أحب إليك أم أير الحمار بلى أير الحمار وخصيتاه *** أحب إلي فزارة من فزار والتمر الصيحاني: تمر معروف بالمدينة المنورة. وهذا من التقارض؛ فإن نعم استعملت استعمال بلى في بيتي جحدر ونحوه، وبلى استعملت استعمال نعم في هذه الأحاديث وهذين الشعرين. وقوله: وقد بعدت بالوصل إلخ ، بعد الشيء بضم العين، ويعدى بالباء. وفاعل بعدت ضمير الحبيبة، وبعدها عنه هنا إنما هو موتها، وزيارتها القبر. ولهذا قال: بلى إن من زار القبور إلخ . وبيني وبينها ظرف متعلق بمحذوف حال من الوصل. وقوله: ليبعدا اللام للتأكيد، وهي التي تجيء في خبر إن، وتسمى المزحلقة، والأف مبدلة من نون التوكيد إلخ فيفة فإنها تبدل ألفاً في الوقف. وفاعل يبعد ضمير من. وهذا البيت لم أعرفه، ولم أنظره إلا في هذا الشرح. والله أعلم. وجاء في شعر الطهوي: الطويل فلا تبعدن يا خير عمرو بن جندبٍ *** بلى إن من زار القبور ليبعدا وأنشد بعده: وهو من شواهد سيبويه: مجزوء الكامل ويقلن شيبٌ قد عل *** ك وقد كبرت فقلت: إنه على أن سيبويه، قال: إن فيه حرف تصديق للخبر، بمنزلة أجل. والهاء للسكت، قال سيبويه في باب ما تلحقه الهاء لتتبين الحركة: ومثل ما ذكرت قول العرب إنه، وهم يريدون إنه، ومعناها أجل. وأنشد هذا البيت. قال الأعلم: الشاهد فيه تبيين حركة النون بهاء السكت، لأنها حركة بناء لا تتغير لإعراب، فكرهوا تسكينها لأنها حركة مبني لازمة. ومعنى إن ها هنا نعم. انتهى. وقال النحاس: وفي نسخة أبي الحسن إلخ فش هذا البيت، وليس عندي عن أبي إسحاق. وفي النسخة: أي فقلت أجل. وسألت عنه أبا الحسن، فقال: إن بمعنى نعم، والهاء لبيان الحركة، وكانت خطباء قريش تفتتح خطبتها بنعم. انتهى. وقال أبو علي في البغداديات بعد نقل قول سيبويه في البيت: وكان أبو بكرٍ أجاز فيه مرةً أن تكون إن المحذوفة إلخ بر، كأنه قال: إن الشيب قد علاني، فأضمره فجرى بذلك ذكره، وحذف خبره للدلالة عليه. قال: وحذف إلخ بر في هذا أحسن، لأن عنايته بإثبات الشيب نفسه، كما أنه يحذف معه إلخ بر لما كان غرضه ووكده، كإثبات المحل في قوله: المنسرح إن محلا وإن مرتحلا قال: وهذا أحد ما تشبه فيه إن لا النافية العاملة النصب. انتهى. وزعم أبو عبيد أن إن بمعنمى نعم غير موجودة، وهي في البيت مؤكدة، الهاء اسمها، وخبرها محذوف، أي: إنه قد كان كما يقلن. قال الجوهري: قال أبو عبيد: وهذا اختصار من كلام العرب يكتفي منه بالضمير، لأنه قد علم معناه. وأما قول إلخ فش: إنه بمعنى نعم، فإنما يريد تأويله، ليس أنه موضوع في أصل اللغة لذلك. انتهى. قال ابن الشجري في أماليه بعد نقل هذا الكلام عن أبي عبيد: والهاء في تفسير أبي عبيدٍ للشأن. ولم يتعقبه بشيء. ولا يخفي أن ضمير الشأن لا يجوز حذف خبره، بل يجب التصريح بجزأي الجملة من خبره. وقول الشارح المحقق تبعاً لغيره: إلخ بر محذوف، أي: إنه كذلك، ليس الضمير فيه للشأن لأن شرط خبره أن يكون في أصل جملة مستقلة. وكذلك ليس جملة، إنما هو شبه جملة، بل الضمير فيه راجع إلى القول المفهوم من يقلن، أي: إن قولهن كذلك. وكالشارح المحقق نقل ابن هشام في المغني أن التقدير: إنه كذلك. ولفق له شارحه ابن الملا من هنا ومن هنا كلاماً مختل النظام، أعرضنا عنه لعدم جدواه في المقام، ولقلاقته على الأفهام. وقول الشارح المحقق في إن وراكبها: إنه لتقدير مضمون الدعاء وهو خلاف تصديق إلخ بر، أقول: لا يخالفه، فإن جملة لعن الله ناقة حملتني إليك، هي خبرية لفظاً، فالتصديق راجع إليها باعتبار لفظها ووضعها، وقصد الدعاء فيها أمر معنوي طارٍ عليها. وقد جاءت في هذا البيت لتصديق إلخ بر المنفي، قال ساعدة الهذلي: البسيط ولا أقيم بدار الذل إن ول *** آتي إلى الغدر أخشى دونه إلخ مجا قال السكري في شرحه: إن هنا بمعنى نعم. والخمج، بفتح إلخ اء المعجمة والميم والجيم: سوء الذكر. وجاءت لتصديق إلخ بر المثبت أيضاً فيما أنشده ابن الشجري، وهو الكامل قالوا غدرت فقلت إن وربم *** نال المنى وشفا الغليل الغادر ومنه خبر ابن الزبير وجاءت بعد الاستفهام أيضاً فيما أنشده ابن هشام في أواخر الباب إلخ امس من المغني، وهو: الكامل قالوا أخفت فقلت إن وخيفتي *** ما إن تزال منوطةً برجائي ونقل ابن الملا عن أبي حيان أن إن في هذه المواضع هي المؤكدة، حذف معمولاها، فإنه قال: إن كلام ابن الزبير، لا ينتهض دليلاً لابن مالك على أن إن فيه بمعنى نعم، لأنه مما حذف فيه الاسم والخبر، ولا يجوز حذفهما معاً إلا مع إن، وقد حذفت العرب الجملة إلا حرفاً منها كما في قولهم: قاربت المدينة ولما، وقوله: الرجز ................. وإن *** كان فقيراً معدماً قالت وإن فإن التقدير: ولما أدخلها، وإن كان فقيراً معدماً قبلته. هذا كلامه. ولا يخفى أن المنصوص في إن وأخواتها جواز حذف أحد معموليها فقط، ولم يجز أحد حذفهما معاُ مع بقاء إن، نعم يجوز أن يحذف معمولاها معها. والفرق بينها وبين لما وإن ظاهر؛ فإن وإن لتأكيد نسبة الكلام، فجيء لمزيد الاعتناء به، فلا يجوز حذفه، لئلا يبطل الغرض. وأجاب ابن الملا بأنه حذف فيهما لسبق القرينة، وما نحن فيه ليس من ذلك إلا أن يدعى أن وقوع إن في جواب قوله: قرينة، ويكون التقدير: إنها ملعونة. وهو تكلف. ويشكل عليه عطف جملة الدعاء على جملة إلخ بر وإن صححه بعضهم. هذا كلامه. والبيت شاهد من جملة أبيات أوردها صاحب الأغاني، لعبيد الله بن قيس الرقيات، وهي: بكر العواذل في الصب *** ح يلمنني وألومهنه ويقلن شيبٌ قد عل *** ك وقد كبرت فقلت إنه لابد من شيبٍ فدع *** ن ولا تطلن ملامكنه ولقد عصيت الناهي *** ت النازات جيوبهنه حتى ارعويت إلى الرش *** د وما ارعويت لنهيهنه وروي الصبوح بدل الصباح، وهو ما يشرب في وقت الصباح. وبكر: جاء بكرة،هذا أصله، ثم استعمل في كل وقت. والعواذل: جمع عاذلة. ورواه صاحب الصحاح: بكرت علي عواذلي *** يلحينني وألومهنه قال ابن السيرافي: يلحينني: يلمنني على اللهو والغزل. وألومهن على لومهن لي، ويقلن: قد شبت وكبرت، فقلت: نعم. يريد أنه يأتي ما يأتي على علمٍ منه بأمر نفسه. والمعنى واضح. انتهى. والجيوب: جمع جيب، وهو طوق القميص. والارعواء: النزوع عن الجهل، وحسن الرجوع عنه. وقد ارعوى: رجع عن غيه. وكبرت، بكسر الياء بمعنى صرت كبيراً. والهاء في القوافي للسكت. وابن قيس الرقيات اسمه عبيد الله بالتصغير، وقد تقدمت ترجمته في الشاهد الثالث والثلاثين بعد إلخ مسمائة. قال حماد الرواية: إذا أردت أن تقول الشعر فارو شعر ابن قيس الرقيات، فإنه أرق الناس حواشي شعر. وسئل بعضهم في التمييز بينه وبين عمر بن أبي ربيعة فأجاب بأن ابن أبي ربيعة أشهر بالغزل، وابن قيس أكثر أفانين شعر. أنشد فيها: وما إن طبنا جبنٌ هو قطعة من بيت، وهو: الوافر وما إن طبنا جبنٌ ولكن *** منايانا ودولة آخرينا على أن إن تزاد ما النافية، وتقدم شرحه في الشاهد السبعين بعد المائتين. وأنشد بعده: مجزوء الكامل ما إن جزعت ولا هلع *** ت ولا يرد بكاي زنداً لما تقدم قبله. ومثل بمثالين، إشارة إلى أنها تزاد بعد ما النافية مطلقاً، سواء كانت الداخلة على الجملة الأسمية، وتكفها عن عملها عمل ليس، وتسمى إن الزائدة الكافة، أم كنت الداخلة على الجملة الفعلية كما في هذا البيت، وتسمى إن الزائدة فقط. والبيت من قصيدة لعمرو بن معد يكرب، أوردها أبو تمام في أوائل الحماسة. وقبله: كم من أخٍ لي صالحٍ *** بوأته بيدي لحدا ما إن جزعت ولا هلع *** ت ولا يرد بكاي زندا ألبسته أثوابه *** وخلقت يوم خلقت جلدا أغني غناء الذاهبي *** ن أعد للأعداء عدا ذهب الذين أحبهم *** وبقيت مثل السيف فردا قوله: كم من أخ إلخ ، ذكر قبل تبجحه بالشجاعة، وذكر بهذا إلى آخره صبره على البلاء، أي: كم من أخٍ موثوقٍ به فجعت به. وبوأته: أنزلته. والمباءة: المنزل. وقوله: ما إن جزعت ولا هلعت.. إلخ ، الهلع: أفحش الجزع، لأنه جزع مع قلة صبر، وفعلهما من باب فرح، فكأنه قال: ما حزنت عليه حزناً شديداً ولا هيناً. وهذا نفي الحزن رأساً. وقد أعطى الترتيب حقه، لأنه ارتقى فيه من الأدون إلى الأعلى. والزند، بفتح المعجمة وسكون النون، يستعمل في معنى القلة. ويروى بدله رداً، أي: مردوداً. والمعنى: لا يغني بكاي شيئاً، وإنما عقب نفي الجزع بهذا تنبيهاً على أن صبره عن تأدب، وتبصر، ومعرفة بالعواقب، في حسن التأمل. وقوله: أغني غناء إلخ ، قال التبريزي: يجوز أن يريد بالذاهبين من انقرض من عشريته، ويكون المعنى أنه المعتمد عليه بعدهم، ويجوز أن يريد المتغيبين عن المشاهد والمعارك. وأعد بالبناء للمفعول، يجوز أن يكون المعنى: يقول في الأعداء: خذوا فلاناً فإنه يعد بكذا من الفرسان. ويقال: إن عمراً كان يعد بألف فارس. ويجوز أن يكون المعنى أهيأ للأعداء معدوداً. فعداً حال وضع موضع المعدود. وروي: أعد بالبناء للفاعل، أي: أعد لهم السلاح. وروي: أعد بفتح الهزة، ويحتمل معنيين: أحدهما أن يقول: أعد لهم وقعاتي وأيامي عند المفاخرة. والثاني أن يقول: أعد لهم كل ما يحتاج إليه من عدد وعدة، فعداً مفعول به، والمعنى: أعد لهم معدوداتها. وقوله: وبقيت مثل السيف فردا، قال الطبرسي: أي: بقيت منفرداً بالسيادة كالسيف، لا يجمع اثنان منه في غمد، ويجوز أن يريد: بقيت كالسيف لنفاذي، ومضائي في الأمور. وعمرو بن معد يكرب صحابيٌ تقدمت ترجمته في الشاهد الرابع والخمسين بعد المائة. وأنشد بعده: كأن ظبيةٍ تعطو هو قطعة من بيت، وهو: الطويل ويوماً توافينا بوجهٍ مقسمٍ *** كأن ظبيةٍ تعطو إلى وارق السلم على أن أن زائدة بين الكاف ومجرورها، وهو ظبية. وتقدم الكلام عليه في الشاهد الرابع والسبعين بعد الثمانمائة. وأنشد بعده: الطويل ومن عضةٍ ما ينبتن شكيرها وتقدم شرحه في الشاهد الحادي والخمسين بعد المائتين. وأنشد بعده: المتقارب لا وأبيك ابنة العامر *** ي لا يدعي القوم أني أفر على أن لا تجيء كثيراً زائدة قبل المقسم به، للإعلام بأن جواب القسم منفي، فإن الواو حرف قسم. وجملة: لا يدعي القوم، جواب القسم، وهي منفية، فأتى بالنافي قبل القسم للإشعار ابتداء بأن جوابه منفي، كقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك}. قال ابن هشام في المغني: ورد بقوله تعالى: {لا أقسم بهذا البلد} الآيات،فإن جوابه مثبت، وهو: لقد خلقنا الإنسان في كبد . ومثله: فلا أقسم بمواقع النجوم الآية. وقيل: زيدت لمجرد التوكيد، وتقوية الكلام، كما في: لئلا يعلم أهل الكتاب ورد بأنها لا تزاد لذلك صدراً بل حشواً. انتهى. ويجاب بأن زيادتها، في صدر القسم المنفي جوابه أغلبيٌ لا كلي. والكاف من أبيك مكسورة، لأنه خطاب مؤنث، أقسم بأبيها تعظيماً لها. وابنة العامري: منادى، وحرف النداء محذوف، وهو: يا، ابنة العامري اسمها هرٌ، بكسر الهاء وتشديد الراء. وقد أوردها امرؤ القيس في هذه القصيدة، بقوله: وهرٌ تصيد قلوب الرجال *** وأفلت منها ابن عمرو حجر والعامري هو من بني عمرو بن عامر من الأزد، واسمه سلامة بن عبد الله. وقال إلخ طيب التبريزي في شرح معلقته، عند قوله: الطويل أفاطم مهلاً بعض هذا التدلل *** وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي قال ابن الكلبي: فاطمة هي بنت عبيد بن ثعلبة بن عامر. قال: وعامر هو الأجدر بن عوف بن عذرة، ولها يقول: لا وأبيك ابنة العامر *** ي.............. البيت وأني بفتح الهمزة، وأفر من الفرار، وهو الهروب، وخفف راءه للشعر. قال ابن عصفور في كتاب الضرائر: ومنه تخفيف المشدد في القوافي، نحو قول امرئ القيس: لا يدعي القوم أني أفر وقد خفف عدة قوافٍ من هذ القصيدة، وإنما خفف ليستوي له بذلك الوزن، وتطابق أبيات القصيدة. ألا ترى أنه لو شدد أفر لكان آخر أجزائه على فعولن من الضرب الثاني من المتقارب، وهو يقول بعد هذا: تميم بن مر وأشباعه *** وكندة حولي جميعاً صبر وآخر جزء من هذا البيت فعل وهو من الضرب الثالث من المتقارب، وليس بالجائز له أن يأتي في قصيدة واحدة بأبيات من ضربين، فخفف لتكون الأبيات كلها من ضرب واحد. وسواء في ذلك الصحح والمعتل. انتهى كلامه. وبهذا تعلم أنه لم يصب من قال: إن أفر فيه مشدد اجتمع فيه ساكنان، واجتماعهما في القافية جائز، وهو أبو الفرج بن المعافى، قال في أماليه حدثنا صديقنا الحسن بن خالويه، قال: كتب إلخ فش إلى صديق له يستعير منه دابة، ودابة لا يقع في الشعر، لأنه لا يجمع فيه بين ساكنين، فقال: المتقارب أردت الركوب إلى حاجةٍ *** فمر لي بفاعلةٍ من دببت وإنما امتنع دخول دابة ونحوها في الشعر، لئلا يلتقي فيه ساكنان في غير القافية، كقوله: لا يدعي القوم أني أفر وقد جاء في الشعر في مزاحف للمتقارب، وذلك قوله: فقالوا: القصاص وكان التق *** ص حقاً وعدلاً على المسلمينا ورواه بعضهم: وكان القصاص. هذا كلامه. واعلم أن هذه القصيدة من بحر المتقارب، هو فعولن ثمان مرات، وفيه الحذف، فإن أفر وزنه فعو، وحذف منه لن، فأتى بدله فعل. وفي أول هذا البيت ثرم، فإن وزن قوله: ل وفعل، وأصله فعولن فلحقه الثرم فصار وزنه ما ذكر. وهذا البيت مطلع قصيدة لامريء القيس على الصحيح، عند المفضل، وأبي عمرو الشيباني، كما تقدم التنبيه عليه في شرح بيت منها في الشاهد الثامن والخمسين من أوائل الكتاب، وتقدم أيضاً شرح أبياتٍ منها في الشاهد العشرين بعد السبعمائة. وأنشد بعده: الرجز في بئر لا حورٍ سرى وما شعر على أن زيادة لا بين المتضايفين شاذة، والأصل: في بئر حور، فزيدت لا بينهما لفظاً ومعنى، كما نص عليه الشارح المحقق في باب لا النافية للجنس. أي: سرى في بئر هلاكٍ، وما شعر بسقوطه فيها. وهذا قول جماعة. وذهب الفراء وتبعه جماعة إلى أن لا هنا نافية، وليست بزائدة، قال: لأن المعنى في بئر ماء لا يحير عليه شيئاً، كأنك قلت: إلى غير رشدٍ توجه وما درى، ووقع على ما لا يتبين فيه عمله، فهو جحد محض. وتقدم الكلام عليه مفصلاً في الشاهد الستين بعد المائتين. أنشد فيهما، الطويل وترمينني بالطرف أي أنت مذنبٌ *** وتقلينني لكن إياك لا أقلي على أن أي فيه حرف تفسير للجملة قبله. قال ابن يعيش: قوله: أي: أنت مذنب؛ تفسير لقوله: وترمينني بالطرف، إذا كان معنى ترميني بالطرف: تنظر إلي نظر مغضب، ولا يكون ذلك إلا عن ذنب. انتهى. وقال صاحب التخمير: الرمي بالطرف: عبارة عن النظر، يقال: رماه بطرفه، إذا نظر إليه، كأنه قال: تفسير رميها بالطرف إياي، أي: أنت مذنب، أي: أشارت إلي بطرفها إشارةٌ دلت على أني مذنب في حقها. هذا كلامه، والمعنى هو الأول. وفسر الدماميني والسيوطي: ترمينني بتشيرين إلي. وتعقبه ابن الحنبلي، وقال: الطرف: نظر العين، أي: وترمينني الطرف، كأنه سهم، فكثيراً ما يستعار السهم لطرف العين. كما قال الشافعي: الطويل خذوا بدمي هذا الغزال فإنه *** رماني بسهمي مقلتيه على عمد وقال: أي: أنت مذنب، على التفسير، لأن الرمي بالشيء قد يكون على عمدٍ وقد لا يكون، والمراد الأول، لكون المرمي ذا ذنب، ولو في ظن الرامي. والإشارة وإن كانت، قد تكون بالطرف، كما قال: الطويل أشارت بطرف العين خيفة أهلها وقلنا: إن الرمي به بهذا المعنى يستلزم الإشارة به، فالأولى ألا تكون الإشارة به مقصودة للشاعر منه، وأن ليست معنى ترمينني وحده، ولا لازمة، بل لازم مجموع ترمينني بالطرف. هذا ما قرره. والحاصل: أن أي تفسر الجملة وغيرها، وهي أعم من أن، لأنه يفسر بها المفرد والجملة، والقول الصريح وغيره. تقول: رأيت غضنفراً، أي: أسداً، وأمرت زيداً، أي: اضرب، وقلت قولاً، أي: عبد الله منطلق، وخرج زيد بسيفه، أي: خرج وسيفه معه. وإنما يحتاج إلى التفسير إذا كان في الكلام غرابة، وإبهام، وحذف شيء. وما بعد أي عطف بيان على ما قبله وبدل منه. كذا قال ابن هشام وغيره. وهذا ظاهر فيما إذا فسرت مفرداً، وأما إذا فسرت جملة كما في البيت فلا. وذهب الكوفيون وتبعهم المبرد إلى أنها حرف عطف إذا فسرت مفرداً، ورد عليهم بأنها تفسر الضمير المرفوع المتصل بلا تأكيد ولا فصل وتفسر الضمير المجرور بلا إعادة الجار، ولو كان ما بعدها معطوفاً بها، لم يستقم الأول بدون تأكيد وفاصل، ولا الثاني بدون إعادة الجار. ونسب ابن هشام في المغني هذا القول إليهم وإلى صحابي المستوفي، والمفتاح، ورده بأنا لم نر عاطفاً يصلح للسقوط دائماً ولا عطفاً ملازماً لعطف الشيء على مرادفه. وقال أبو حيان في الارتشاف: وأما أي فذهب الكوفيون وتبعهم ابن السكاكي إلخ وارزمي من أهل المشرق، وأبو جعفر بن صابر من أهل المغرب، إلى أنها حرف عطف، تقول: رأيت الغضنفر، أي: الأسد، وضربت بالعضب، أي: بالسيف، والصحيح أنها حرف تفسير يتبع بعدها الأجلي للأخفى، عطف بيان يوافق في التعريف والتنكير ما قبله.انتهى. واستفيد منهما أن ابن السكاكي هو السكاكي صاحب المفتاح. وإذا فسر بأي فعل أسند إلى ضمير حكي ذلك الضمير بعدها، نحو استكتمته الحديث، أي سألته كتمانه، فالتاء من سألته مضمومة، واستكتمه زيد الحديث، أي: سأله كتمانه، واستكتمه يا زيد الحديث، أي: سله كتمانه. فيجب أن يطابق الضمير بعدها لما قبلها في التكلم والغيبة والخطاب. وإن فسرت الجملة بالمراد منها لم يحك فاعلها، كالبيت الشاهد. وإذا تقدم تقول على فعل مسند إلى تاء المتكلم، وجئت بإذا مكان أي وجب فتح التاء، لأنه ظرف لتقول. ونظم بعضهم هذا، فقال: البسيط إذا كنيت بأي فعلاً تفسره *** فضم تاءك فيه ضم معترف وإن تكن بإذا يوماً تفسره *** ففتحك التاء أمرٌ غير مختلف وقوله: إذا كنت بأي، معناه: إذا جئت بضمير مع أي حال كونك تفسره فعلاً، فإن الضمير يقال له: الكناية، وكنيت، أي: أتيت بكناية. وقال ابن الملا في شرح المغني: كنى عن الأمر، أي: تكلم بغيره مما يستدل به عليه، نحو فلان كثير الرماد، تريد أنه كريم، وكنيت عن الشيء: سترته، وهذا المعنى هو المراد هنا. وفعلاً مفعول كنيت، على التوسع بحذف الجار. وتفسره: نعت له أي: إذا كنيت عن فعل، تريد تفسيره حال كونك مصاحباً لأي. هذا كلامه. وأجاز التفتازاني في حاشية الكشاف أن يتقدم يقال أيضاً على ذلك الفعل، مع قبح، قال: إذا أريد تفسير الفعل المسند إلى ضمير المتكلم، فإن أتي بكلمة أي كان ما بعدها تفسيراً لما قبلها، فيجب تطابقهما. ويجوز في صدر الكلام تقول على إلخ طاب، ويقال على البناء للمفعول. وإن أتى بكلمة إذا كان صدر الكلام في موضع الجزاء، فيجب أن يكون ما بعد إذا لفظ إلخ طاب. ولا يستقيم في صدر الكلام يقال إلا إذا قدر أن القائل هو المخاطب، لكنها عبارة قلقة. انتهى. وفيه مخالفة لغيره في جعل إذا شرطية لا ظرفية. وقوله: ترمينني خطاب لامرأة، والياء الأولى ضمير خطاب لها، فاعل الفعل، والياء الثانية ضمير المتكلم مفعوله، والنون الأولى علامة الرفع لا تحذف إلا في الجزم والنصب، والنون الثانية نون الوقاية. قال الزمخشري في الأساس: رماه بالطرف والفاحشة. والطرف: العين. ولا يجمع، لأنه في الأصل مصدر: وقيل: هو اسم جامع للبصر، لا يثنى، ولا يجمع، وقيل: هو نظر العين. وقوله: وتقلينني هو من القلي. قال ابن الشجري في أماليه: القلى: البغض، مكسور مصور. وقد صرفت العرب منه مثالين: قلاه يقليه، مثل: رماه يرميه، وقليه يقلاه، مثل: رضيه يرضاه. وهو من الياء، بدلالة يقلى، ولو كان من الواو كان يقلو. وأنشد في يقلي: وترمينني بالطرف البيت وفي التنزيل: ما ودعك ربك وما قلى. روى أبو الفتح لغة ثالثة قلاه يقلوه قلاء، مثل رجاه يرجوه رجاء. وأنشد: الطويل إن تقل بعد الود أم ملحمٍ *** فسيان عندي ودها وقلاؤها انتهى. وفي القاموس: قلاه، كمرماه ورضيه، قلى وقلاء ومقلية: أبغضه وكرهه غاية الكراهية، فتركه. وقلاه في الهجر، وقليه في البغض. وقوله: لكن إياك فيه أقوال: أحدها للفراء: أصلها عنده لكن إلخ فيفة النون، والنون الثانية بقية أنا، قال في تفسير قوله تعالى: {لكنا هو الله ربي} معناه: لكن أنا هو الله ربي، ترك همزة الألف من أنا، وكثر بها الكلام فأدغمت النون من أنا مع النون من لكن. ومن العرب من يقول: أنا قلت، بتمام الألف، فقرئت لكنا على تلك اللغة، وأثبتوا الألف في اللغتين في المصحف. ويجوز الوقوف بغير ألف في غير القرآن في أنا. ومن العرب من يقول إذا وقف: أنه، وهي لغة جيدة، وهي في عليا تميم، وسفلى قيس. أنشدني أبو ثروان: وترمينني بالطرف البيت يريد: لكن أنا إياك لا أقلي، فترك الهمزة فصار كالحرف الواحد. وزعم الكسائي أنه سمع بعض العرب، يقول: إن قائم، يريد: إن أنا قائم فترك الهمز وأدغم، وهي نظيره للكن. انتهى. كلامه. وقد تبعه صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية، وأبو حيان في تذكرته وغيرهما. ثانيها: أن تكون من أخوات إن، واسمها ضمير شأن محذوف، والجملة بعدها خبرها، وعليه اقتصر ابن يعيش، وصاحب اللباب وشراحه. ونقل ابن المستوفي عن الزمخشري في مناهيه على المفصل أنه قال: وجهه أن يكون الأصل لكنه إياك لا أقلي، الضمير ضمير الشأن، ثم حذفه كما حذفه من قال: إلخ فيف إن من لام في بني بنت حس *** ن ألمه وأعصه في إلخ طوب ولو روي لكن بكسر النون اجتزاءً من الياء بالكسر؛ لكان وجهاً سديداً. ثالثها: أن اسمها ضمير متكلم محذوف لضرورة الشعر، أي: ولكني، كما حذف اسمها في قول إلخ ر: ولكن زنجيٌ عظيم المشافر أي: ولكنك زنجيٌ. وهو قول إلخ وارزمي، نقله عنه ابن المستوفي. فإن قلت: إياك ضمير نصب، فهل يجوز أن يكون اسم لكن؟ قلت: لا يجوز، لأنه لو كان اسمها لوجب أن يقال: ولكنك، فإنه متى أمكن اتصال الضمير لا يعدل إلى انفصاله، اللهم إلا أن يدعى فصله لضرورة الشعر. قال الأندلسي في شرح المفصل: ولو قلت: أجعل الضمير المنفصل اسماً، ولا أقلي خبراً، وأرتكب إجراء المنفصل مجرى المتصل، وأحذف الراجع إلى اسم لكن والأصل: لكنك لا أقليك، لكنت لعمري متعسفاً. انتهى. فإن قلت: حيث امتنع في الفصيح جعل إياك اسم لكن، ما وجه فصله عن عامله وتقديمه عليه؟ قلت: وجهه الحصر. فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد ذلك، فأفاد أنها هي التي لا تقلى، بخلاف غيرها فإنه يقلى. وهذا البيت لم أقف علة تتمته وقائله، مع أنه مشهور، قلما خلا منه كتاب نحوي. والله أعلم.
|